فضيحة صحية تهز بعثة الحج اليمنية: عقد مشبوه وكيان وهمي يعصفان بخدمات الحجاج
كشفت مصادر مطلعة عن فضيحة مدوية داخل بعثة الحج اليمنية لهذا العام، بعد أن أسندت وزارة الأوقاف والإرشاد ملف الخدمات الطبية المقدمة للحجاج إلى جهة مجهولة، بموجب عقد مثير للجدل وقّعه أحد الأشخاص الذين تم التعاقد معهم مؤخرًا كممثل للوزارة ويدعى عبدالجبار المزلم، مع كيان يُدعى "مجمع آمالنا الطبي"، مقابل مبلغ مالي قدره (2,061,657 ريال سعودي).
العقد الذي تم توقيعه خارج الأطر المؤسسية المعتادة أثار دهشة المتابعين، في ظل غياب أي معلومات موثقة حول طبيعة الكيان أو نوعية الخدمات الطبية التي يفترض أن يقدمها، حيث لم يرد في وثائقه ما يوضح تخصصه في الطوارئ أو الطب العام أو غيرها من الخدمات الصحية المعتمدة.
وأكد مصدر حكومي سعودي أن وكيل وزارة الصحة زار المركز الذي أنشأه المجمع في مكة المكرمة، ليجد أنه يفتقر كليًا إلى مقومات العمل الطبي، إذ لا يضم أي أطباء، ولا تتوفر فيه أدوات أو أدوية، كما أن الممرضات العاملات فيه يفتقرن للتصاريح القانونية، الأمر الذي دفعه إلى إصدار قرار عاجل بإغلاق المركز.
وفي تطور لافت، وجّه الاتحاد اليمني للسياحة يطالب وزير الأوقاف بسرعة التدخل لتوفير الرعاية الصحية للحجاج اليمنيين.
حيث وجه رئيس الاتحاد اليمني للسياحة، الأستاذ حسين يحيى الصباحي، رسالة رسمية إلى وزير الأوقاف والإرشاد، الشيخ محمد عيضة شبيبة، طالب فيها بسرعة التدخل لتوفير الرعاية الصحية اللازمة لحجاج بيت الله الحرام، بعد ما وصفه بـ"الغياب التام" للخدمات الصحية رغم دفع الرسوم المخصصة لذلك من قِبل وكالات الحج اليمنية.
وأوضح الصباحي، في الرسالة المؤرخة بتاريخ 24 مايو 2025، أن وكالات الحج التزمت بسداد المبالغ المقررة مقابل الخدمات الصحية، وفقًا للتعميم الوزاري رقم (79)، كما قامت تلك الوكالات بتجهيز عيادات طبية في فنادق الحجاج بمكة المكرمة والمدينة المنورة، إلا أن الخدمات الطبية لم تُفعَّل حتى اليوم، على الرغم من مرور أكثر من عشرة أيام على بدء تفويج الحجاج.
وأضاف أن الشركة الطبية المتعهدة من قِبل الوزارة لم توفد أي كوادر طبية حتى اللحظة، كما أن العيادات لا تحتوي على أدوية أو معدات طبية، ما يعرض حياة الحجاج، لا سيما كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، لمخاطر صحية جسيمة.
وطالبت المذكرة باتخاذ خطوات عاجلة لمعالجة الوضع، وتعويض الحجاج عن الفترة التي حُرموا فيها من الرعاية الصحية، كما شددت على ضرورة محاسبة المسؤولين عن هذا التقصير الجسيم، الذي يمثل تهديدًا مباشرًا لحياة الحجاج، ويضر بسمعة بعثة الحج اليمنية.
ودعا الاتحاد في ختام رسالته، وزير الأوقاف إلى تحمّل المسؤولية الكاملة واتخاذ إجراءات عاجلة لضمان تقديم الرعاية الصحية اللازمة وتعويض الحجاج عن فترة الإهمال، مشددًا على ضرورة محاسبة المتسببين في هذا التقصير الذي يهدد حياة الحجاج ويسيء إلى سمعة بعثة الحج اليمنية.
اللافت أن التعاقد مع الكيان المشار إليه تم بعيدًا عن كوادر الوزارة المؤهلة، ما يسلّط الضوء مجددًا على ظاهرة الإقصاء والتهميش التي تطال موظفي الوزارة، لصالح عناصر خارجية يتم استقدامها على أسس حزبية بحتة، دون أي اعتبار للكفاءة أو المهنية.
وفي الوقت الذي يتطلع فيه آلاف الحجاج اليمنيين إلى موسم حج آمن وكريم، تتكشف فضيحة جديدة تهز وزارة الأوقاف والإرشاد، وسط اتهامات خطيرة تشير إلى عبث غير مسبوق بملف الحج، وتحويله إلى "منجم فساد" مفتوح، تشارك فيه أطراف متعددة، بدءاً من قيادات الوزارة، وانتهاءً بوكلاء التفويج وشبكات سماسرة تأشيرات المجاملة.
عقد مشبوه وكيان غير مؤهل
بحسب مصادر مطلعة من داخل اجتماع اللجنة العليا للحج، دافع نائب وزير الصحة اليمني، الدكتور عبدالله دحان، بشكل لافت عن عقد مثير للجدل أبرمته الوزارة مع كيان غامض يُدعى "مجمع آمالنا الطبي" بقيمة تجاوزت 2 مليون ريال سعودي، لتقديم خدمات صحية للحجاج اليمنيين.
العقد وقّعه شخص حديث التعيين كممثل للوزارة يدعى عبدالجبار المزلم، رغم عدم امتلاك المجمع أي مؤهلات أو خبرات صحية، كما تبين أن المركز الذي أنشأه في مكة لا يضم أطباء، ولا توجد فيه أدوية، وتعمل فيه ممرضات غير مرخصات، ما أدى إلى إغلاقه بأمر من وكيل وزارة الصحة السعودية.
مصدر حضر الاجتماع علق على دفاع دحان بالقول: "إما أن دحان لا يفقه شيئاً، أو أن له نصيباً من الكعكة القذرة"، في إشارة إلى تقاسم المصالح بين أطراف متنفذة في الوزارة.
أين تذهب أموال التأشيرات؟
ولماذا تأشيرة الحج اليمنية هي الأغلى في العالم؟ الجواب يكشفه جزء من الكشوفات التي حصل عليها معدو التقرير، وتظهر أن مئات الأشخاص يحصلون على تأشيرات حج مجانية أو مدفوعة من المال العام.
من بين أكثر من 400 اسم، لم تتجاوز نسبة موظفي الوزارة الشرعيين 5%، بينما توزعت النسبة الأكبر على:
الحاشية المقربة من قيادة الوزارة .
المحسوبين على مسولين الوزارة وأقاربهم.
أما بقية التأشيرات، فتباع في السوق السوداء عبر سماسرة معروفين، في مشهد أقرب إلى المزاد العلني، حيث تتحول تأشيرة الحج إلى سلعة تجارية خاضعة للمساومة والسمسرة.
المدير المالي رفض الفساد فتم تهميشه
ومن بين الشهادات التي تكشف جانبًا آخر من حجم الفساد، ما ورد عن الأستاذ محمد مهدي حنتوش، مدير عام المالية في وزارة الأوقاف، والذي تم تعيينه بقرار رسمي كممثل لوزير المالية. رفض حنتوش التوقيع على صرفيات مشبوهة بمئات الملايين بالريال السعودي، مما أدى إلى تهميشه.
وبحسب المعلومات، فإن الوزير شبيبة ونائبه العمري عمدوا إلى bypass توقيعه، وبدأوا صرف الأموال من خلال مذكرات يعدها مدير مكتب الوزير محسن مجمل، وبتواطؤ من معين والمزلم والرباش، دون المرور بالقنوات القانونية أو توقيعات وكلاء الوزارة، في انتهاك صارخ للدستور والقانون.
وفي السياق ذاته، وجه ناشطون ووكالات نداءً إلى رئيس الوزراء الدكتور سالم صالح بن بريك، مؤكدين أن الوضع الصحي للحجاج كارثي، حيث لا يوجد سوى طبيب واحد بدون طاقم تمريضي أو أدوية، وسط تجاهل واضح لحاجة الحجاج، خصوصًا كبار السن وذوي الأمراض المزمنة.
وكشفوا عن وجود شبهات فساد وعمولات في العقد المبرم مع مركز طبي يتخذ من العاصمة السعودية الرياض مقرًا له، رغم أن خدمات الرعاية يجب أن تُقدَّم في مكة والمدينة، وهو ما يطرح تساؤلات حول أسباب عدم التعاقد مع مستشفى أو مستوصف متخصص داخل المدينتين المقدستين.
واعتبر المراقبون أن هذا التعاقد يثبت وجود فساد مالي وإداري، متهمين أطرافًا في الوزارة بالتستر على هذا الإهمال، وعلى رأسهم الوزير شبيبة ونائبه والوكيل الرباش، مطالبين بسرعة فتح تحقيق شفاف يكشف حجم العمولات التي دُفعت مقابل هذا العقد الذي تزيد قيمته عن مليوني ريال سعودي.
وحذروا من أن دعوات الحجاج المظلومين قد تطال كل من شارك في هذا الفساد أو تستر عليه، مشددين على ضرورة تشكيل لجنة تحقيق ومحاسبة المتورطين.
وأشار الحجاج إلى أن مخيمات اليمنيين تفتقر لأبسط مقومات الراحة، حيث يعاني الكثيرون من الاكتظاظ الشديد داخل المخيمات، إلى جانب رداءة الفرش المستخدمة، التي لا تكفي حتى لراحة طفل واحد، فضلاً عن سوء التهوية، والانقطاعات المتكررة في الكهرباء، وغياب الخدمات الأساسية.
كما اشتكوا من قلة عدد دورات المياه، مما يضطر الحجاج إلى الوقوف في طوابير طويلة لقضاء حاجاتهم، الأمر الذي يشكل ضغطًا نفسيًا وجسديًا كبيرًا، لا سيما على كبار السن والمرضى.
ورغم دفع كل حاج يمني مبلغ 16,500 ريال سعودي، إلا أن مستوى الخدمات المقدمة لا يعكس هذا الرقم مطلقًا، ما دفع الكثيرين للتساؤل عن مصير تلك الأموال، وعن الجهة المسؤولة عن اختيار الشركة السعودية المتعاقدة مع بعثة الحج اليمنية، وهي شركة "ضيوف البيت"، والتي تتكرر شكاوى الحجاج منها سنويًا.
واتهم عدد من الحجاج الشركة السعودية بدفع عمولات سنوية لبعض المسؤولين والسماسرة داخل بعثة الحج اليمنية، ما يجعلها تحظى بالعقد كل عام رغم تدني مستوى خدماتها وفشلها في تلبية احتياجات الحجاج.
وتساءل البعض عن "بركات" هذا الاختيار المتكرر، مطالبين بفتح تحقيق شفاف في آلية التعاقدات والمبالغ المدفوعة، وضرورة محاسبة كل من يثبت تورطه في الإضرار بسمعة البعثة ومعاناة الحجاج اليمنيين.
أثار ارتفاع تكلفة برنامج الحج لهذا العام استياءً واسعًا في الأوساط اليمنية، وسط مقارنات بين ما كانت تقدمه وزارة الأوقاف والإرشاد في السابق من خيارات متعددة وتكلفة معقولة، وبين الواقع الحالي الذي يشير إلى ارتفاع كبير في الرسوم، مقابل خدمات لا تشهد تحسنًا ملحوظًا.
وبحسب مصادر مطلعة، كانت الوزارة في إدارتها السابقة تطرح برامج متعددة للحجاج اليمنيين، من بينها "البرنامج الاقتصادي" و"برنامج الامتياز"، بأسعار لا تتجاوز 6,000 ريال سعودي، ما ساهم في تمكين شرائح واسعة من اليمنيين من أداء الفريضة. كما كانت الوزارة تسعى في تلك الفترة إلى رفع حصة اليمن من الحجاج من 24,000 إلى 30,000 حاج سنويًا، نظرًا للإقبال المتزايد.
أما في الوقت الراهن، فقد ارتفعت تكلفة البرنامج الواحد إلى أكثر من 16,000 ريال سعودي، الأمر الذي أدى إلى انخفاض أعداد الحجاج اليمنيين هذا العام إلى ما دون 15,000 حاج، في تراجع ملحوظ مقارنة بالسنوات الماضية.
ويرى مراقبون أن هذا الانخفاض يعكس صعوبة الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها المواطن اليمني، إضافة إلى غياب البرامج المتنوعة التي كانت تتيح للحاج اختيار ما يتناسب مع قدراته المالية.
ويؤكد الكثير من المتابعين أن "مكة هي مكة، والطريق هو الطريق، والمشاعر لم تتغير"، سواء في عهد الإدارة السابقة أو الحالية، إلا أن الفارق الجوهري يكمن في سياسة الإدارة وحرصها على التخفيف من الأعباء المالية على الحاج اليمني، وهو ما يفتقده الوضع الراهن، بحسب قولهم.
وتواجه وزارة الأوقاف والإرشاد حاليًا موجة من المطالبات بإجراء تحقيق عاجل وشامل في تفاصيل هذا التعاقد، ومراجعة معايير اختيار الممثلين الرسميين للوزارة، حفاظًا على مصداقية العمل المؤسسي، وضمانًا لسلامة الحجاج اليمنيين في مواسم الحج القادمة.
في الختام:
وزارة الأوقاف والإرشاد مدعوة اليوم قبل الغد إلى مكاشفة شفافة أمام الشعب اليمني، وإلى فتح تحقيق عاجل وشامل في كل ما ذُكر، ومحاسبة كل من تورط في التلاعب بأموال الحجاج وحقوقهم. فموسم الحج ليس بوابة للثراء السريع، بل مسؤولية دينية وأخلاقية وإنسانية.