شعبي الحبيب،
أيها الموتى الواقفين على أقدامكم، والسائرين نحو الجحيم في كل يوم، لن أقول كيف حالكم، أعرف أنكم لا تزالون في نفس الحفرة التي تُطلون منها نحو الأسفل، وتظنون أنكم في مكان مرتفع عن البقية، وأنتم بهذا تضربون أروع الٲمثلة عن الغباء بكل صراحة ..
لا تُسامحوني عما أقوله الآن، وعن الذي سأقوله لآحقًا، لأن هذا الذنب الذي أرتكبه بحقكم، لا أُريدُ أن تَغفروه لي، يَسُرني أن أقابل الله به ..
ثم أنني لن أبالي بما ستقولونه عني، وبأي تهمة ستوجهونها ضدي، وٳن حدث واتفقتم جميعكم على تُهمة واحدة، فأنا أُعاهدكم بأنني مستعد لأسلمكم نفسي، ولتُحاكموني بما شئتم ..
لستم أكثر من موتى سُلبوا حق الموت بكرامة، وخرجوا ٳلى الشوارع يفتشون عن القبور في المدارس، والشوارع، والبيوت الآمنة والحارات ..
وفي حقائب المسافرين وهوياتهم .
هذه الأرض الملغومة، لم تعد صالحة بعد الآن لتسكنوها كبشر، ٳن لم تخرجوا مع القتلة، فلا تخرجوا مواطنين، لأنكم بذلك تجعلون من العصابات جيوشًا وطنية ..
في اللحظة التي جعلتم البكاء محصورًا على جثة دون أخرى، في المرة التي آثرتم الجغرفيا عن الٳنسان، وفضلتم دماء شخص يسكن هُنا، عن شخص يسكن هُناك، ونسيتم أن المكان الذي نسير باتجاهه مكان، ومصير واحد؛ أصبتحتم موتى!
لا أحد منكم قادرًا على تكذيبي أمام نفسه، وأما في الظاهر، أنا كذابكم الأول، ولا ضير في ذلك ..
شعبي الحبيب،
لا أُريدُ شيئًا منك، سوى أن تُخرج رأسك قليلًا من شرفة العالم، ولا تُخبرني بما ستراه، لأني أعلم أنك لن تُشاهد أي شيء، وأنك بلا رأس منذ عقود ..
في حربنا الواحدة، لا يوجد صواب واحد أقسم لك، وليس هُناك من تخافه، يوجد الكثير من المُخطئين، المُخطئين من كُل مكان وحسب .
ٲرجوك ضع رأسك مكانه، والبس ماتشاء، ضع قبعة خيزران، وارتدي "مِعوزك" المُفضل، وجاكيتك المبرق بالخطوط البيضاء، تحدث باللهجة العدنية، وجرب "الفحسة الصنعانية"، تغنَ بالفن الحضرمي لمرة، واشكرني لاحقًا ..
دآئمًا لا يوجد أهم من أن تكون يمنيًا، ٳن لم تكن حيًا على الأقل .
مُصعب الجعفري.