قتل "صالح "يخلق حالة إرباك كبيرة ويعقّد مسار الأزمة في اليمن

2017-12-10 13:54:37



 

خلقت عملية قتل الحوثيين للرئيس السابق علي عبدالله صالح، حالة إرباك كبيرة لدى جميع الأطراف وفي مقدمتهم حزب صالح المؤتمر الشعبي العام والتحالف العربي والحكومة اليمنية والحوثيين أنفسهم أيضا، لما خلّفته هذه العملية من مفاجأة وصدمة كبيرة لأتباع صالح وردة فعل غاضبة وغير مسبوقة في الشارع اليمني، والتداعيات والنتائج التي قد تسفر عنها لاحقا.

تسببت هذه الحادثة في خلط كافة الأوراق وتعقيد مسار حل الأزمة اليمنية لما خلقته من واقع جديد، قد يكون له ما بعده، في ظل التداعيات المتسارعة التي أعقبت حادثة مقتل صالح وألقت بظلالها القاتمة على المشهد اليمني برمته، السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي والانساني، وأدخلت البلاد في مأزق حاد، قد لا تخرج منه إلا بصدمة أخرى مماثلة وبالمستوى نفسه، تعيد لليمن عافيته وتزيح عنه هذا (الكابوس) الذي كتم على أنفاس اليمنيين فجأة دون سابق تهيئة نفسية لتقبّل مثل ذلك.

كان الشارع اليمني والمجتمع الإقليمي والدولي يعوّلون كثيرا على أن يلعب الإرث السياسي والعسكري الكبير للرئيس السابق علي صالح دورا مهما في الإسهام في حل الأزمة اليمنية عبر خلق نوع من التوازن العسكري والسياسي بكبح جماح الحوثيين الذين كان صالح الساعد الأيمن لهم، من خلال تحالفه معهم في تحركاتهم العسكرية منذ خروجهم من معقلهم في محافظة صعدة، أقصى شمال اليمن، منتصف 2014، وكان حليفهم العسكري القوي الذي ابتلعوا به الدولة وأجهزوا عليها عبر انقلابهم على سلطة الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي.

كانت هذه التوقعات غير مبنية على معطيات حقيقية من أرض الواقع، وانخدعوا بالخطابات السياسية القوية السحرية للرئيس السابق صالح، التي كانت توحي دوما أنه ما زال الرجل الأقوى في الساحة اليمنية عبر نخبة الوحدات العسكرية اليمنية من قوات الحرس الجمهوري السابق والقوات الخاصة التابعة له مباشرة، ولم يدركوا جيدا متغيرات الواقع الجديد، الذي غيّرت معالمه 3 سنوات من الحرب الطاحنة والعمل الدؤوب والمتواصل من قبل جماعة الحوثي على شراء ذمم الموالين لصالح من القيادات العسكرية والسياسية وعمل (غسيل دماغ) لهم وتحويل ولاءهم للحوثيين عن عقيدة وقناعة راسخة وليس عن مصالح مادية كما كان صالح يتعامل معهم.

ويبدو أن صالح نفسه كان غير مدرك كذلك لهذا التحوّل الجذري في ولاءات أتباعه وفي عقيدة قواته القتالية، حيث كان يعيش في «وهم كبير» مزيّف من صنع الدائرة الضيقة المحيطة به، على حد تعبير أحد المقربين منه، والتي لم يكتشف صالح خيانتها له إلا في اللحظات الأخيرة قبل مقتله عندما قال في رسالته الأخيرة قبيل إعدامه «لا أرى نفسي إلا بين الكثير من الخونة الذين باعوا اليمن بثمن بخس».

المشهد العسكري في اليمن بعد مقتل صالح أصبح في غاية التعقيد، غير أن المواجهة العسكرية أصبحت حاليا واضحة المعالم بين طرفين لا ثالث لهما، الأول الميليشيا الحوثية مع كافة ما ورثته من قوات عسكرية ومقدرات الحرس الجمهوري السابق، والطرف الثاني القوات الحكومية المدعومة من قوات التحالف العربي بقيادة السعودية والتي تلعب فيها القوات الإماراتية دورا محوريا على الأرض.

ورغم غياب صالح فجأة عن المشهد العسكري وعن المواجهة في اليمن، إلا أن مقتله بهذه الطريقة الشنيعة ومحاولة الإجهاز على كل أثر له من بقايا ذريته وأتباعه السياسيين والعسكريين لا شك أنه سيخلّف سخطا وتذمرا واسعا في أوساط بعض المقاتلين في صفوف الحوثيين من بقايا الجيش السابق، كما أنه سيخلف سخطا غير معلن في المناطق والمحافظات التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، والتي تحكمها ميليشياتها حاليا بالحديد والنار وأفرطت في ارتكاب المجازر ضد أبنائها وسكانها الذين ينتظرون فيها اللحظة المواتية للانتقام من الحوثيين وأن سكوتهم الراهن لا يعني الإقرار بكل ما يرتكبه الحوثيون من انتهاكات ولكنه قد يكون بمثابة الـ «هدوء الذي يسبق العاصفة» على حد تعبير أحد السياسيين.

وأشار إلى أن هذا السخط وإن كان غير معلن وليس بمقدور أحد إفشاءه، إلا أنه قد يكون عاملا مساعدا ونقطة ارتكاز مستقبلا في تغيير موازين القوى عند التحركات العسكرية للقوات الحكومية نحو تلك المناطق التي قد تسهم في تضييق الخناق على الميليشيا الحوثية بطريقة أو بأخرى لصالح القوات الحكومية، وليس بالضرورة حُبًّا للقوات الحكومية ولكنه انتقاما من الحوثيين الذين نكّلوا بالناس هناك أشد التنكيل وأذاقوهم مرارة العذاب طوال الثلاث السنوات الماضية.

وأكد العديد من العسكريين اليمنيين لـ«القدس العربي» أن المشكلة الكبيرة في المشهد العسكري اليمني الراهن تكمن في وضوح الرؤية والغاية والهدف لدى الحوثيين المشفوعة بقوة إرادة تحقيق ذلك الهدف، في مقابل ضعف الإرادة السياسية وغياب القرار العسكري لدى الجانب الحكومي واحتكار دول التحالف العربي القرار العسكري المؤيد للحكومة الشرعية، وهو ما خلق شللا بالغا للقوات الحكومية الضاربة في مختلف الجبهات والقادرة على حسم المعركة في أقصر وقت وأقل كلفة لكن مشكلتها أن قرارها بيد غيرها.

وأكدوا أن من الواضح جدا من خلال المعطيات السابقة والراهنة أن قوات التحالف لديها «أجندة» خاصة بها، ليس من بينها الحرص على حسم المعركة بشكل عاجل وإعادة السلطة الشرعية إلى اليمن، وكانت تعوّل، وبالأخص دولة الإمارات، على الرئيس السابق علي صالح في أن تلعب قواته دورا في حسم المعركة وفي إعادة إنتاج نظامه السابق، وأن يكون له دور سياسي أو لأبنائه وأفراد عائلته في مرحلة ما بعد الحرب، غير أن الحوثيين أدركوا هذا الأمر وأجهزوا على صالح وعلى ذريته بهذه الطريقة حتى لا تقوم لهم قائمة في المستقبل، حين أدركوا أنه كان يشكل خطرا عليهم سياسيا وعسكريا أكثر من سلطة هادي المتردية أو من قواته الحكومية.

وشكّل مقتل صالح انكشافا ليس له ولعائلته فحسب بل كذلك لدول التحالف العربي التي راهنت عليه طويلا في الخفاء طوال فترة الثلاث السنوات الماضية من الحرب، وانكشفت اللعبة في اليومين الأخيرين قبيل مقتل صالح، حين أعلن استنجاده بقوات التحالف التي سارعت خلال دقائق في قبول مطلبه، وكأن الطرفين كانا في تنسيق مسبق بينهما.

وعلى الرغم من أن كل المعطيات الراهنة تشير بقوة إلى استحالة استمالة قوات الحرس الجمهوري سابقا إلى صفوف القوات الحكومية، إلا أن نغمة دول التحالف وفي مقدمتها الإمارات ما زالت واضحة عبر إعلامها الذي يعبّر عن توجهات قادتها، ويحاول تشكيل رأي عام، نحو ضرورة الاستعانة بالحرس الجمهوري لحسم المعركة في اليمن، وينسبون مكاسب عسكرية تحققت خلال الأيام القليلة الماضية عقب مقتل صالح إلى القوات العسكرية الموالية لصالح، بطريقة استفزازية حتى لمشاعر أتباع صالح أنفسهم، الذين لم يفيقوا من هول الصدمة ولم يتخذوا قرارا بعد بوضعهم الجديد، فكيف ومتى قد انتقلوا إلى صفوف القوات الحكومية؟

وحذّر مسؤول عسكري كبير مقرب من الحرس الجمهوري سابقا الحكومة اليمنية أو التحالف العربي من مغبّة الاستعانة بالحرس الجمهوري السابق، سواء كقوات أو كأفراد، نظرا لأن عقيدتهم القتالية أصبحت خالصة لصالح الحوثيين، وأنه لو انتقل أي منهم الى صفوف القوات الحكومية فإنهم سيكونون عونا للحوثيين بطريقة أو بأخرى وليس سندا للقوات الحكومية.

مشددا على أنه «لو كان ما زال في قوات الحرس الجمهوري خيرا لوقفوا إلى جانب صالح في حربه ضد الحوثيين ولاستماتوا في الدفاع عنه». معتبرا أن الحرس الجمهوري السابق في اليمن انتهى عمليا وتحوّل إلى «ميليشيا» بيد جماعة الحوثي، رغم أنه كان نخبة المؤسسة العسكرية في اليمن في السنوات الأخيرة من حكم صالح.

أصابع الاتهام توجهت بشكل صريح وعلني لأول مرة من قبل الحكومة اليمنية مؤخرا نحو قوات التحالف العربي بالوقوف وراء خذلان القوات الحكومية في حسم المعركة ضد الحوثيين خلال السنوات الماضية، والتي أعلنها للملأ نائب رئيس الوزراء وزير الخدمة المدنية عبد العزيز جباري، في مقابلة تلفزيونية نهاية الأسبوع الماضي، رغم أنه من حزب المؤتمر المحسوب على الرئيس هادي.

حالة الإرباك السياسي والعسكري التي خلّفها مقتل علي صالح، قد تطول وتعقّد المشهد اليمني لفترة طويلة إذا استمر التحالف العربي يتعامل بالعقلية أو الآلية السابقة نفسها لمقتله والتي عطّلت عملية الحسم العسكري نحو ثلاث سنوات، وإذا لم يتم تدارك الأمر باستثمار عملية مقتل صالح والتداعيات والنتائج التي خلفتها أو أسفرت عنها لإنجاز خرق أو تحوّل نوعي في مسار المعركة فإن المشهد اليمني سيشهد تعقيدا أكثر وسيدخل البلد في أتون معركة مفتوحة يصعب التنبؤ بنهايتها.

 

*القدس العربي 


تابعونا علي فيس بوك